تشهد دول الخليج تطورًا ملحوظًا في القطاع العقاري، إذ أصبحت العقارات الفاخرة رمزًا للرفاهية ومؤشرًا على النمو الاقتصادي، إضافة إلى كونها "أداة استثمارية" جذابة، إذ أقرّت الدول الخليجية، خلال السنوات الماضية، إجراءات لإغراء رؤوس الأموال الأجنبية، وتعزيز النشاط الاقتصادي، من خلال هذا القطاع، وفي الفترات الأخيرة، عزَّزت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي برامج الإقامة والجنسية الخاصة بها؛ لجذب الاستثمارات في شراء العقارات؛ ما يُسهم في تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخلٍ رئيسيّ.
وقفزت مبيعات العقارات في دول الخليج، حسب بياناتٍ حديثة، إذ أكد تقرير شركة "كامكو إنفست" أن قيمة الصفقات العقارية بدول المجلس سجلت 171.6 مليار دولار خلال العشرة الأشهر الأولى من عام 2023، أي بارتفاع 21.1% عن الفترة المماثلة من العام السابق.
ففي قطر والبحرين تم تنفيذ برنامج إقامة من خلال الاستثمار في العقارات، ويسمح كل منهما بتصريح الإقامة حال ضخّ استثمار بقيمة 200 ألف دولار في العقارات، بينما يوفر استثمار مبلغ يزيد على مليون دولار مزايا الإقامة الدائمة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم، وفقًا لبياناتٍ حكومية.
أما المملكة العربية السعودية فدخلت في هذا المجال ببرنامج الإقامة المميَّزة (إقامة المستثمرين)، الذي بدأ في يونيو 2019، والذي يُتيح للمستثمرين الحصول على إقامة من خلال استثمار سبعة ملايين ريال سعودي، وفقًا لما أورده موقع "سعودي فيزا"، كما اعتمدت سلطنة عُمان إقرار برنامج إقامة الاستثمار في عام 2021، والذي يمكّن المستثمرين من الحصول على إقامة من خلال الاستثمار في العقارات بقيمة 500 ألف ريال عماني (1.3 مليون دولار)، حسبما أورد موقع "إنفست عُمان".
يبلغ حجم الاستثمارات العقارية في دول الخليج مئات المليارات من الدولارات؛ ما يوفر فرصًا كبيرةً لبقاء وتيرة الأداء الاقتصادي متواصلة على مدار فترة من الزمن
ودولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا أقرَّت برنامجها لحصول الوافدين على "تأشيرة الإقامة الذهبية" عام 2019، والذي يسمح للوافدين بالحصول على إقامةٍ طويلة الأمد من خلال الاستثمار في العقارات أو الأعمال التجارية أو الأصول المالية الأخرى، وعادةً ما يتطلب استثمارًا بحدٍّ أدنى مليوني درهم إماراتي، إذ جرى تصميمه لجذب الأفراد ذوي الثروات العالية ورواد الأعمال الكبار، حسبما يورد الموقع الرسمي لوزارة الاقتصاد الإماراتية.
من جهة أخرى، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، إلى أن ربط الحصول على الإقامة بالاستثمار العقاري ليس تقليدًا خليجيًّا، بل هو تقليدٌ عالميٌّ تتبعه دول عدة لتنشّط السوق العقارية لديها من جانب، ولتجذب رؤوس الأموال الأجنبية من جانبٍ آخر، إذ إن الإقامة تساهم في زيادة إنفاق الوافد للدولة الخليجية؛ ما يزيد من الأداء التجاري والنشاط الاقتصادي والسياحي.
وبيَّن عايش أن ربط الحصول على الإقامة بالاستثمار العقاري يستقطب مستثمرين أو وافدين جُددًا، بنوعياتٍ معيّنةٍ من مستوى القدرات المالية العالية؛ ما يساهم في تنشيط قطاعات التجزئة والسياحة والقطاعات الخدمية الأخرى، فضلًا عن القطاع العقاري الذي يُعدُّ أحد أهم محركات الأداء الاقتصادي في الدول الخليجية، خاصة قطاع العقارات الفاخرة.
فالدول الخليجية ذات مكانةٍ رفيعة المستوى عالميًّا في مجال العقارات الفاخرة؛ ما يجذب إليها كثيرًا من رجال الأعمال والمستثمرين، إضافة إلى عائلاتهم وأصدقائهم، سواء للزيارة أو السياحة؛ ما يعني ضمان زيادة الإنفاق في البلدان الخليجية على قطاعاتٍ مختلفة، ويساهم في المحصّلة بإدامة النشاط الاقتصادي برُمَّته، بحسب الخبير الاقتصادي. ويفيد عايش أن التعويل الخليجي السابق كان منحصرًا في بيع وشراء العقارات من مواطنين خليجيين في دولةٍ إلى مواطنين بدولةٍ أخرى.
ويشير عايش إلى أن هذه العقارات تُعتبر شكلًا من أشكال الاستثمار الذي يولّد المزيد من الدخل لهؤلاء الحاصلين على الإقامة، وتمكّنهم أحيانًا من الارتفاع إلى مستوى الحاصلين على جنسية الدول الخليجية، وبالتالي تصبح الدول الخليجية أحد مراكز الاستقطاب الرئيسية في العالم لأصحاب الثروات والأغنياء والمستثمرين ورجال الأعمال من جنسياتٍ مختلفة.
ويرى الوافدون في دول الخليج العربية القطاع العقاري منصةً للاستثمار؛ ما يعني أن جميع الأطراف مستفيدون من الفرص الاستثمارية التي يوفرها القطاع العقاري، بحسب عايش، مشيرًا إلى أن القطاع، وفق معطيات كهذه، تحوَّل إلى أحد أهم مصادر الدخل والتنويع في الأداء الاقتصادي بالدول الخليجية.
كما يشير الخبير الاقتصادي، جاسم عجاقة، إلى أن صيغة إتاحة الإقامة مقابل شراء العقارات تهدف بالدرجة الأولى إلى جذب الاستثمارات عبر ضخّ أموالٍ إلى بلد العقار المعروض؛ ما يكون له تداعيات تفيد الاقتصاد الوطني.
وتُفسح هذه التداعيات الإيجابية على اقتصاد البلد الخليجي أجواءً من الثقة لدى المستثمرين، وتدفعهم لمزيدٍ من ضخّ الأموال في قطاع العقارات، بحسب عجاقة، مشيرًا إلى أن ما تقوم به الاقتصادات الخليجية هو عملية اندماج في الاقتصاد العالمي بما يقتضي الانفتاح، عبر الاستفادة من الفرص المتاحة عالميًّا، ومن بينها جذب الاستثمارات.
وينقسم المردود الاقتصادي على شراء الوافدين للعقارات بالدول الخليجية إلى ثلاثة أقسام رئيسية، بحسب قول عجاقة، الأول يتمثل في الاستفادة المادية المباشرة، عبر المداخيل الإلزامية نظير الحصول على الإقامات بشراء العقارات.
والقسم الثاني يتمثل في مردود شراء الوافدين للعقارات بالثقة في اقتصادات الخليج، موضحًا أن فتح الباب أمام الاستثمارات ووجود هيكلية قانونية لها مهم جدًّا في نمو الاقتصادات على المدى المتوسط إلى البعيد؛ ما يحفز المستثمرين على إيجاد فرصٍ استثمارية أخرى. ومن بين تلك الفرص فتح أعمالٍ خاصة، أو العمل في إحدى الشركات الكبيرة أو الاستثمار في الأصول المالية بالدولة الخليجية؛ ما يعني إفادةً شاملةً لعجلة الأداء الاقتصادي بوجهٍ عام.
أما القسم الثالث لمردود شراء الوافدين للعقارات فيرتبط بتطوُّر الأنظمة الحاكمة في البلدان الخليجية، حسبما أفاد عجاقة، وأن حالة الانفتاح التي تتبناها دول خليجية عدة حاليًّا تُكسب هذه الأنظمة الثقة أمام العالم، ما يكون له مردود إيجابي على الصعيد المالي.