شهدت السوق العقارية في دولة الكويت انتعاشًا لافتًا خلال الربع الأول من عام 2025، محققةً قفزةً نوعيةً في قيمة المبيعات بنسبة نموٍّ بلغت نحو 24.65%؛ حيث ارتفعت القيمة الإجمالية للمبيعات العقارية إلى حوالي 894 مليون دينار كويتي، مقارنةً بمبيعاتٍ بلغت نحو 717 مليون دينار خلال الفترة نفسها من عام 2024، وفق بيانات وزارة العدل الكويتية.
ويأتي هذا الأداء الإيجابي ليعكس تحسُّن البيئة الاقتصادية والتمويلية، إلى جانب تجدُّد الثقة في سوق العقارات كأداةٍ استثمارية، وأداةٍ للاستقرار السكني في البلاد.
إلى جانب الارتفاع في القيمة، ارتفع أيضًا عدد العقارات المباعة خلال الربع الأول من عام 2025 ليصل إلى 1298 صفقة بيع، مقارنة بـ1076 صفقة في الربع الأول من عام 2024، ما يعادل نموًّا بنسبة 20.63%.
ويشير هذا النمو المتوازي في القِيَم والأعداد إلى توسُّع نشاط السوق، ليس فقط من حيث الاستثمارات الكبيرة، بل أيضًا من حيث حجم التداول الإجمالي؛ مما يُعزِّز ديناميكية السوق العقارية ويعطي مؤشرًا إيجابيًّا لمختلف الجهات المعنية، من مستثمرين أفراد، وشركات تطوير عقاري وجهات تمويلية.
بحسب التصنيفات، تصدَّرت العقارات الاستثمارية قائمة المبيعات من حيث القيمة؛ إذ بلغت قيمة الصفقات في هذا القطاع نحو 345 مليون دينار كويتي؛ ما يمثل 38.63% من إجمالي السوق، وجاءت بعدها العقارات السكنية الخاصة بقيمةٍ بلغت نحو 344 مليون دينار، بنسبة 38.25% من الإجمالي العام.
هذا التوزيع يعكس استمرار الطلب على القطاعَين؛ حيث تحتفظ العقارات الاستثمارية بجاذبيتها من حيث العائد الإيجاري؛ لا سيما في المناطق الحيوية ذات الكثافة السكانية العالية، فيما تستمر العقارات السكنية في تلبية احتياجات المواطنين في ظل ارتفاع معدلات الزواج والنمو السكاني.
في محافظة العاصمة، تمَّ تسجيل بيع 152 عقارًا بإجمالي قيمة بلغ 179 مليون دينار كويتي. وتوزعت هذه المبيعات على 129 عقارًا سكنيًّا بقيمة 84.16 مليون دينار، و12 عقارًا استثماريًّا بقيمة 42.61 مليون دينار، بالإضافة إلى 11 عقارًا تجاريًّا شكّلت قيمة صفقاتها 52.29 مليون دينار.
وتُظهر هذه الأرقام أن العقارات التجارية في العاصمة تشكّل عنصرًا قويًّا في تركيبة السوق، نظرًا لما تتمتع به من مواقع إستراتيجية في قلب المدينة، وارتباطها بأنشطةٍ اقتصاديةٍ وتجاريةٍ متعددة، تجعلها خيارًا مفضَّلًا للمستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة وأصول ذات قيمةٍ طويلة الأجل.
محافظة حولي سجلت الأداء الأقوى من حيث القيمة الإجمالية؛ إذ بلغت مبيعاتها خلال الربع الأول نحو 306 ملايين دينار، موزعة على 271 عقارًا. وشملت هذه الصفقات 118 عقارًا استثماريًّا بقيمة 191 مليون دينار، و146 عقارًا سكنيًّا بقيمة 71.56 مليون دينار، إضافة إلى 7 عقارات تجارية بقيمة 43.8 مليون دينار.
ويُعدُّ هذا الأداء مؤشرًا على استمرار محافظة حولي في لعب دور محوريّ في المشهد الاستثماري العقاري، لا سيما في ظل كثافتها السكانية العالية، وقربها من العاصمة، ووفرة المرافق والخدمات التي تعزز جاذبيتها كوجهةٍ مفضَّلةٍ للمستأجرين والمستثمرين على حدٍّ سواء.
في محافظة الفروانية، تم تسجيل بيع 214 عقارًا بقيمة إجمالية بلغت 142 مليون دينار كويتي، شملت 150 عقارًا سكنيًّا بقيمة 45.88 مليون دينار، و53 عقارًا استثماريًّا بقيمة 54.88 مليون دينار، إلى جانب 5 عقارات تجارية بقيمة 25.87 مليون دينار، و3 عقارات مخازن بقيمة 10.21 مليون دينار، و3 عقارات تصنيف حرفي بقيمة 5.62 مليون دينار.
وتعكس هذه التوزيعة تنوُّع السوق في الفروانية؛ حيث تشهد المحافظة نموًّا عمرانيًّا مطردًا، إلى جانب احتضانها عددًا كبيرًا من السكان؛ ما يجعلها بيئةً مناسبةً لمختلف أنواع العقارات، من السكنية إلى الحرفية والصناعية.
سجلت محافظة مبارك الكبير مبيعات بقيمة 77.26 مليون دينار من خلال 161 صفقة عقارية. وتركزت هذه المبيعات على 91 عقارًا سكنيًّا بقيمة 39.99 مليون دينار، و60 عقارًا استثماريًّا بقيمة 17.46 مليون دينار، و9 عقارات حرفية بقيمة 18.61 مليون دينار، بالإضافة إلى صفقة شريط ساحلي بقيمة 1.2 مليون دينار.
ويعكس هذا التوزيع تركيز المحافظة على العقارات السكنية بشكلٍ أساسيّ، إلى جانب تواجد واضح للعقارات الحرفية، وهو ما يتماشى مع الطابع العمراني والتجاري المتوازن للمحافظة.
وفي محافظة الأحمدي، تم بيع 426 عقارًا، وهو الرقم الأعلى بين المحافظات، بقيمةٍ إجماليةٍ بلغت 163 مليون دينار. وتوزعت المبيعات على 282 عقارًا سكنيًّا بقيمة 79.10 مليون دينار، و90 عقارًا استثماريًّا بقيمة 37.73 مليون دينار، و38 عقارًا تجاريًّا بقيمة 17.88 مليون دينار، و15 عقارًا حرفيًّا بقيمة 24.33 مليون دينار، إضافة إلى صفقة شريط ساحلي بقيمة 4.5 مليون دينار.
ويعكس هذا العدد الكبير من الصفقات توسعًا عمرانيًّا ملحوظًا في المحافظة، وزيادة في حجم الطلب من مختلف شرائح المشترين؛ ما يُبرز محافظة الأحمدي كإحدى أكثر المناطق الحيوية في خارطة التنمية السكنية والاستثمارية في البلاد.
أما محافظة الجهراء، فقد سجلت بيع 74 عقارًا بقيمةٍ إجماليةٍ بلغت 25 مليون دينار كويتي، شملت 73 عقارًا سكنيًّا بقيمة 23.74 مليون دينار، وعقارًا استثماريًّا واحدًا بقيمة 1.3 مليون دينار. ورغم أن هذه الأرقام تعكس نشاطًا أقل مقارنة ببقية المحافظات، إلا أن السوق في الجهراء تشهد نموًّا تدريجيًّا، مع تزايد الاهتمام بتطوير المناطق الخارجية وتوسيع الرقعة السكنية في ظل الزخم السكاني المتزايد.
تفسيرات النمو: ثقة أكبر وتمويل مستقر
يُعزى النمو اللافت في السوق العقارية الكويتية إلى عدة عوامل رئيسية، يأتي في مقدِّمتها استقرار الأوضاع الاقتصادية، وتحسّن المؤشرات التمويلية، بالإضافة إلى استمرار ثقة المستثمرين في العقار كملاذ آمن. كما ساهمت المبادرات الحكومية في تسريع المعاملات العقارية وتحفيز التداول، سواء عبر تسهيلات الرهن العقاري أو الإجراءات الرقمية.
ويضاف إلى ذلك ارتفاع الطلب المحلي على السكن؛ لا سيما مع تسارع وتيرة النمو السكاني وارتفاع عدد طلبات الإسكان؛ ما خلق حالة من التوازن الإيجابي بين العرض والطلب، خصوصًا في المناطق الجديدة.
توقعات مستقبلية: استمرار النشاط وسط تحدياتٍ محتملة
تشير التوقعات إلى استمرار النشاط في السوق العقارية خلال بقية العام؛ لا سيما مع بقاء الفائدة عند مستويات مقبولة واستقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي. ومع ذلك، تظل السوق عُرضة لبعض التحديات، مثل الضغوط التضخمية المحتملة أو التغيرات في السياسات التمويلية، والتي قد تؤثر على قرارات الشراء، خاصة في القطاع السكني.
كما أن استمرار تنويع المحافظات من حيث نوع العقار والمشاريع الجديدة قد يفتح آفاقًا أوسع أمام المستثمرين والمطورين العقاريين؛ مما يعزز حيوية السوق ويُبقيها في حالة تفاعل دائم مع متغيّرات الاقتصاد المحلي والعالمي.
