

تشهد سوق العقارات في الرياض مرحلة تحوّلٍ هيكليّ تقوده التغييرات الإستراتيجية، وتسارع تنفيذ برامج رؤية السعودية 2030، وتنوُّع فرص الاستثمار عبر مختلف القطاعات.
وفي إطار الفعالية السنوي التي تنظمها "جيه إل إل"، تناول قادة القطاع المشهد الاقتصادي الكُلّي للمدينة، وأبرز التوجّهات المؤثرة في مختلف قطاعاتها، والتي تتضمن المساحات المكتبية والوحدات السكنية، ومنافذ التجزئة والضيافة، فضلًا عن القطاعات الناشئة مثل بنية الذكاء الاصطناعي، والتنمية الموجّهة نحو دعم النقل العام.
وفي بيان صحفيّ، حصلت "بروبرتي ميدل إيست" على نسخةٍ منه، صرّح سعود السليماني، المدير الإقليمي ورئيس أسواق المال في شركة "جيه إل إل" بالمملكة العربية السعودية، قائلًا: "تتصدَّر الرياض جهود تحقيق رؤية السعودية 2030 بما تُتيحه من فرصٍ استثنائيةٍ غير مسبوقةٍ للمستثمرين والمطوِّرين، وذلك في ظل عمل الحكومة المتواصل على تجديد وتطوير الأولويات الوطنية، بما يضمن تحقيق الانسجام الإستراتيجي بين المشاريع، وتوطيد سبل التعاون مع القطاع الخاص.
وتهدف الإصلاحات التنظيمية، مثل رسوم الأراضي البيضاء، وتجميد زيادة الإيجارات، إلى ترسيخ أسس الاستقرار في السوق؛ الأمر الذي سيدفع في نهاية المطاف إلى تركيزٍ أكبر على تطوير أصولٍ متميِّزة. ويُسهم هذا الواقع المتغيّر، بالتوازي مع تغيّر معادلة تكاليف البناء في بعض القطاعات، في إعادة رسم ملامح السوق، وتسريع الخُطى نحو تحقيق تطلعاتنا الوطنية بصورةٍ جذرية".
وقد سلَّطت الفعالية الضوء على الأثر الهائل لمشاريع البنية التحتية؛ إذ قدّمت ميراي عزّام فيدجن، رئيس قسم الاستشارات في "جيه إل إل" لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، عرضًا مفصَّلًا لثورة النقل التي شهدتها مدينة الرياض؛ حيث يُسهم مترو الرياض، باستثمارات بلغت 25 مليار دولار، ونطاق يمتد على مسافة 176 كيلو مترًا، عبر 6 خطوط، و84 محطة، في توفير تغطيةٍ جغرافيةٍ واسعةٍ بعمق 9.8 كيلو متر لكل 100 كيلو متر مربع.
ويفتح هذا الاستثمار الإستراتيجي آفاقًا واسعة أمام التنمية الموجّهة نحو دعم النقل العام؛ حيث يمكن للعقارات أن تحقّق علاواتٍ سعريةً هائلة، وفقًا لمستوى القرب وسهولة الوصول إلى مراكز النقل. وفي ضوء الدعم الحكومي والحوافز التنظيمية، يمكن للتنمية الموجَّهة نحو دعم النقل العام المساهمة في تحسين جودة الحياة، ودعم نموذج مدينة الخمس عشرة دقيقة، إلى جانب تحقيق عوائد مجزية للمطوِّرين والمستثمرين. وفي هذا السياق، أكدت "جيه إل إل" أهمية اعتماد حلول التنقّل بالوسائل الصغيرة المستجيبة للمناخ؛ لتعزيز سهولة الوصول وزيادة معدلات الاستخدام في ظل المناخ الحار لمدينة الرياض.
وتطرَّقت النقاشات خلال الفعالية أيضًا إلى قطاع بنية الذكاء الاصطناعي سريع النمو؛ حيث استعرض غوراف ماثور، الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات لدى "جيه إل إل"، ملامح ازدهار بنية الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية. وتعمل المملكة على توسيع قدرات مراكز البيانات لديها، مع التخطيط لإنشاء مركز بيانات بقدرةٍ هائلةٍ تصل إلى 6 جيجا واط؛ ما يرسّخ تخطيط الأراضي والطاقة كركيزةٍ من ركائز البنية التحتية الوطنية. ويُنظر إلى هذا التوسّع في قدرات الذكاء الاصطناعي كمحفز اقتصادي يدفع النمو عبر قطاعات الخدمات اللوجستية والمساحات المكتبية والضيافة والوحدات السكنية، ويُعزّز مكانة المملكة عالميًّا كمركز إقليمي للحوسبة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
من جانبه، سلَّط مارون ديب، رئيس خدمات المشاريع والتطوير لدى "جيه إل إل" في المملكة العربية السعودية، الضوء على المشهد الواعد لسوق الإنشاءات التي تتضمن محفظة مشاريع مستقبلية هائلة، علمًا بأن قيمة هذا القطاع بلغت نحو 100 مليار دولار في عام 2025 مع توقُّعات بتحقيقه نموًّا سنويًّا بواقع 5.4% حتى عام 2029. ويتعامل قطاع الإنشاءات في المملكة بمرونةٍ عاليةٍ مع تحديات العمالة الماهرة وتكاليف المواد وديناميكيات سلاسل التوريد بالاعتماد على نمذجة معلومات البناء كأداةٍ لرفع مستويات الكفاءة.
وفي حين تتوقَّع التقديرات أن يتراوح المتوسط السنوي لمعدل تضخُّم أسعار المناقصات بين +2% و-2%، تبرز الإدارة الاستباقية للتكاليف كعنصرٍ أساسيٍّ لضبط الأداء. وعلى الرغم مما سبق، تحافظ السوق على نظرةٍ مستقبليةٍ إيجابية؛ لاسيما في الرياض، مدعومةً بفعالياتٍ كبرى مثل إكسبو 2030، وبطولة كأس العالم لكرة القدم 2034، ومطار الملك سلمان الدولي، إلى جانب الإصلاحات التشريعية، وشراكات صندوق الاستثمارات العامة مع القطاع الخاص؛ مما يخلق عوامل جذبٍ قويةً للاستثمارات.
ومن خلال الاستثمارات الإستراتيجية غير المسبوقة في بنيةٍ تحتيةٍ تُعيد رسم ملامح الأداء والقدرات، والتقنيات المتقدِّمة، والقطاعات الناشئة بوتيرةٍ متسارعة، وبدعمٍ من الأطر التنظيمية الديناميكية، والتركيز الراسخ على الابتكار والاستدامة، ترسم المدينة مسارًا لا يقتصر على التطوُّر فحسب، بل يمهِّد الطريق أمام العاصمة السعودية لاحتلال مكانةٍ عالميةٍ متقدمة. وتؤكد الرياض مكانتها كمركزٍ قويٍّ ومَرن، ولا غنى عنه للتطوير العقاري، وكوجهةٍ مفضّلةٍ لرؤوس الأموال العالمية؛ ما يُهيّئها لحقبةٍ من النمو المتضاعف، والآفاق الاستثمارية غير المحدودة.