
منذ انطلاقتها في دبي عام 2002، أصبحت معارض "سيتي سكيب" العالمية منصةً عالميةً تتجاوز مجرد عرض المشاريع العقارية لتُشكِّل بنيةً تحتيةً اقتصاديةً مؤثرةً تُعيد رسم ملامح الاستثمار والتطوير، وتوجِّه بوصلة السوق العقارية في المنطقة.
فمن الرياض إلى القاهرة، ومن الدوحة إلى المنامة، غدت هذه المعارض ملتقى إستراتيجيًّا يجمع المطوِّرين والمموِّلين والمستثمرين والأسر الباحثة عن سكن، وتعرض مؤشرات أسعار واضحة، إضافةً إلى نقاشاتٍ تشريعيةٍ وتنظيميةٍ ترسم أسس مستقبل القطاع العقاري.
ومع تسارع الحاجة إلى حلولٍ إسكانيةٍ مبتكرةٍ وأدواتٍ تمويليةٍ متطوّرة، يبرز دور "سيتي سكيب" كمنصة توازن بين العرض والطلب، تستقطب رؤوس الأموال المحلية والدولية، وتدفع الحكومات نحو تطوير بيئة أعمالٍ أكثر تنافسيةً واستدامة.
صفقات مليارية
لم يعُد تأثير "سيتي سكيب" محصورًا في مُدنه المستضيفة، بل امتد ليشكِّل معيارًا إقليميًّا في تنظيم المعارض العقارية. فقد رفع من خلال حجم المشاركة الدولية والزخم الإعلامي سقف التوقّعات، ودفع معارض أخرى إلى الارتقاء بجودة التنظيم وتطوير المحتوى. ويشهد المعرض سنويًّا في مختلف نُسَخه، صفقاتٍ بمليارات الدولارات تعكس قوَّته في إعادة تشكيل السوق، وصناعة المعارض العقارية. وأصبح توقيت "سيتي سكيب" بمثابة روزنامة مرجعية يُحدّد على ضوئها المطوِّرون إطلاق مشاريعهم، فيما لجأت معارض أصغر إلى تبنّي نماذج تسويقية مشابهة لمحاكاة نجاحه. وهكذا تحوَّل "سيتي سكيب" إلى منصةٍ قياديةٍ تُعيد هيكلة صناعة المعارض العقارية، مانحًا الأسواق مواسم بيعٍ واضحة، ومكرِّسًا ثقافة العرض المنظم كأداةٍ لتنشيط السوق.
الرياض وِجهةٌ عالميةٌ للعقار
في المملكة العربية السعودية، رسَّخ معرض "سيتي سكيب العالمي ــ الرياض" مكانته كأكبر معرضٍ عقاريٍّ في العالم، بعدما سجَّل في نسخته الأخيرة لعام 2024 صفقاتٍ تجاوزت 230 مليار ريال "61 مليار دولار"، خلال أربعة أيام فقط. وقد استقطب المعرض أكثر من 172 ألف زائر، بمشاركة 426 عارضًا على مساحة تخطَّت 121 ألف متر مربع، فيما بلغت نسبة الشركات الدولية المشاركة نحو 47%، وشارك فيه أكثر من 550 متحدثًا من أبرز قادة وخبراء القطاع يمثلون أكثر من 50 دولة.
وفي تصريحاتٍ سابقة، كشف الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للعقار، عبد الله الحماد، أن مبيعات الوحدات العقارية المُنجَزة من قِبَل المطوِّرين المحليّين والدوليّين تجاوزت 20 مليار ريال، بينما تخطَّت قيمة الاتفاقيات الإستراتيجية المبرمة 30 مليار ريال؛ لتُضاف إلى 180 مليار ريال من الإطلاقات التي أُعلنت في اليوم الأول؛ لترفع إجمالي التعاملات العقارية في المعرض إلى أكثر من 230 مليار ريال.
كما شهد المعرض إطلاق مشروعاتٍ جديدةٍ بقيمةٍ تفوق 48 مليار دولار، في حين تمَّ بيع ما يصل إلى 70% من بعض المشروعات خلال يومين فقط، في مؤشرٍ واضحٍ على التأثير العميق للمعرض في تحريك السوق العقارية السعودية، وتعزيز جاذبيتها الاستثمارية.
هذه الأرقام لا يُنظر إليها كمجرد صفقاتٍ فقط؛ بل تشير إلى قدرة السوق السعودية على استيعاب مشاريع ضخمة بسرعةٍ وشفافية، وتؤكد مكانة الرياض كمحورٍ استثماريٍّ رئيسيٍّ ضمن رؤية 2030.
مصر.. منصةٌ للحوار العقاريّ
في مصر، يحمل معرض "سيتي سكيب" طابعًا جماهيريًّا فريدًا؛ إذ يُعدُّ أكبر ملتقى عقاريّ في البلاد، يجذب سنويًّا أكثر من 40 ألف زائر، وقد شهدت النسخة الأخيرة منه مشاركة ما يزيد على80 مطورًا قدموا أكثر من 1000 مشروع، وما يُميِّز النسخة المصرية من المعرض هو العروض الحصرية، وخُطط التقسيط المرنة التي تدفع الأسر والمستثمرين لاتخاذ قرارات شراءٍ فورية؛ ليصبح المعرض بمثابة موسم بيعٍ سنويّ تضبط الشركات وفقه مواعيد إطلاقاتها وحملاتها التسويقية.
ولا يقتصر دوره على المبيعات المباشرة فحسب، بل يوفّر من خلال فعاليات Cityscape Summit & Talks منصة حوارية تجمع المطوّرين بالمصارف والجهات التنظيمية لمناقشة قضايا التمويل العقاري والابتكار والحوكمة. وبذلك يُسهم "سيتي سكيب مصر" في رفع جودة الممارسات، وتعزيز تدفق السيولة نحو تنفيذ المشروعات الكبرى؛ ليؤكد مكانته كأكثر من مجرد معرض بيع، بل كأداة إستراتيجية لتنمية القطاع العقاري المصري.
الدوحة.. منصة لتسريع الاستثمار
منذ استضافتها كأس العالم 2022، تسعى قطر إلى ترسيخ مكتسباتها العمرانية، وتعزيز حضورها في السوق العقارية العالمية، ويبرز معرض "سيتي سكيب الدوحة" كأداة رئيسية لهذا التوجّه. فقد استقطبت نسخة 2024 أكثر من 14 ألف زائر من 24 دولة، بمشاركة أكثر من 60 عارضًا بينهم مسؤولون حكوميون ومطوّرون كبار؛ مما يؤكد مكانة الحدث كمنصةٍ تفاعليةٍ لرسم مستقبل العقار في قطر.
ولم يقتصر المعرض على كونه واجهةً تسويقيةً للمشاريع، بل شكّل منصة متكاملة ناقشت التشريعات والتمويل، وأحدث التقنيات في مجال التطوير العمراني، مع انعكاسٍ ملموسٍ على مشاريع إستراتيجية مثل لوسيل واللؤلؤة.
وتشير بيانات وزارة العدل القطرية إلى أن "سيتي سكيب" أصبح نقطة التقاءٍ رئيسيةٍ لإبرام الصفقات، وتقديم العروض التمويلية؛ ما يُسرِّع وتيرة المبيعات، ويمنح المستثمرين نافذةً مباشرةً على فرص السوق القطرية.
البحرين.. من منصة عرض إلى محفِّزٍ للصفقات
شهدت البحرين قفزةً نوعيةً عبر "سيتي سكيب البحرين"؛ حيث ارتفعت قيمة الصفقات من 240 مليون دينار بحريني في 2023 إلى أكثر من 341 مليون دينار "نحو 900 مليون دولار" في 2024، واستقطب الحدث أكثر من 10 آلاف زائر، وعُرض خلاله 58 مشروعًا بقيمةٍ إجماليةٍ تقارب 8 مليارات دولار.
وتوضح هذه القفزات كيف تحوَّل المعرض من مجرد منصة عرضٍ إلى محفِّز صفقاتٍ فعلية، يُعزّز ملكية الأفراد، ويجذب المستثمرين الخليجيين والدوليين. كما احتضن المعرض برامج مثل Architects of Tomorrow لطلاب العمارة؛ ما يعكس البُعد التعليمي، ويربط بين السوق والأجيال الجديدة من المصممين.
سيتي سكيب".. منصة إقليمية لإعادة تشكيل السوق العقارية
بعد أكثر من 23 عامًا على انطلاق أول نسخة له في دبي، تكشف التجارب في السعودية ومصر وقطر والبحرين أن سيتي سكيب لم يعُد مجرد حدث عقاريٍّ سنويّ، بل تحوَّل إلى منصةٍ إقليميةٍ متكاملةٍ تقوم بوظائف السوق الأساسية، مثل: تسريع المبيعات والصفقات، وخلق شفافيةٍ في التسعير عبر المزادات، وربط السياسات الحكومية بالممارسات السوقية، إلى جانب جذب الاستثمارات الدولية، وتوسيع قاعدة رأس المال، وإرساء ثقافة الابتكار والاستدامة في القطاع العقاري.
وبينما تختلف طبيعة الحراك من دولةٍ إلى أخرى، يظل القاسم المشترك هو قدرة هذه المعارض على دفع عجلة التطوير العقاري، وتعزيز الثقة، وتحويل السوق العقارية في المنطقة إلى بيئةٍ أكثر تنظيمًا وتنافسيةً وجاذبية.