

في مشهد اقتصادي متغيِّر وسوقٍ عقاريةٍ تبحث عن مصادر نموٍّ جديدة، برزت السياحة في المملكة العربية السعودية كأحد أبرز المحركات التي تُعيد رسم خارطة الاستثمار العقاري. ففي النصف الأول من عام 2025 فقط، استقبلت المملكة أكثر من 60.9 مليون سائح، أنفقوا ما مجموعه 161.36 مليار ريال سعودي، كان نصيب السكن والإيواء منها وحده 47.1 مليار ريال، أي نحو 29% من إجمالي الإنفاق السياحي.
جدول عدد السياح وإنفاقهم في السعودية ونسبة الإنفاق على السكن
هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن انتعاش في الحركة السياحية، بل تعكس بوضوح التحوّل العميق في سلوك السوق العقارية؛ حيث تتزايد الحاجة إلى مشاريع إيواء متنوعة، من الفنادق الفاخرة إلى الشقق المفروشة والسكن الخاص. ومع استمرار تدفّق الزوار المحليين والوافدين بوتيرة متصاعدة، يصبح الاستثمار في العقارات السياحية خيارًا إستراتيجيًّا لا يمكن تجاهله.
إنفاق السائحين على السكن.. فرص استثمارية واعدة
بحسب توزيع الإنفاق على السكن، فقد ارتفع إجمالي ما تمَّ إنفاقه على الإيواء في النصف الأول من 2025 إلى 47.10 مليار ريال، منها 14.01 مليار من السياح المحليين و33.09 مليار من الوافدين؛ ما يعكس تنوُّع مصادر الطلب، ويعزّز جدوى الاستثمار في الشقق الفندقية والوحدات المخدومة.
وتُظهر البيانات أن الإنفاق في النصف الأول من كل عام أعلى من النصف الثاني؛ مما يعطي المستثمرين العقاريين مؤشرًا زمنيًّا لتوجيه مشاريعهم العقارية، وتوقيت إطلاقها بما يتماشى مع ذروة الطلب.
جدول إنفاق السياح على السكن
خيارات السكن المفضلة.. دلالة على اتجاهات السوق العقارية
من حيث نوع الإيواء، ما زالت الفنادق والسكن الخاص تهيمن على اختيارات السياح؛ حيث استقبلت الفنادق نحو 22.06 مليون سائح، والسكن الخاص حوالي 22.30 مليون. وهذا يسلّط الضوء على الطلب المتزايد على مشاريع الشقق الفندقية والفلل السياحية داخل المجمّعات المغلقة، ويوفر إشاراتٍ واضحةً للمطوّرين العقاريين لإعادة تصميم منتجاتهم بما يتلاءم مع هذه التوجهات.
كما أن الاعتماد المتزايد على السكن الخاص يعكس ميول السياح نحو الخصوصية والاستقلالية، وهي فرصة للاستثمار في وحدات الإيجار القصير عبر المنصات، شريطة أن تُنظَّم بشكلٍ رسميٍّ لضمان الجودة والعائد.
عدد السياح حسب نوع السكن والإيواء (مليون سائح)
المدن الرابحة.. أين يجب أن تتجه البوصلة الاستثمارية؟
تتصدَّر مكة المكرمة القائمة بواقع 24.4 مليون سائح مبيت، وإنفاق يتجاوز 101.7 مليار ريال، تليها الرياض والمنطقة الشرقية. هذه المدن لا تملك فقط جاذبيةً دينيةً أو إدارية، بل أيضًا بنية تحتية قادرة على استيعاب مشاريع عقارية ضخمة.
ويُعدُّ تفاوت حجم الإنفاق بين المناطق مؤشرًا دقيقًا لقياس العائد الاستثماري المتوقع في القطاع العقاري السياحي؛ فبينما تنخفض أعداد الزوار في بعض المناطق مثل تبوك أو عسير، إلا أن متوسط الإنفاق للفرد مرتفع نسبيًّا؛ مما يجعلها أهدافًا مثالية للاستثمار العقاري المتوسط الحجم مع عوائد عالية.
أكثر المناطق استفادة من حركة السياحة في السعودية
خلاصة
تشهد السوق العقارية في المملكة تحوُّلًا إستراتيجيًّا تقوده السياحة، والمستثمرون الحاذقون يلتقطون هذه الإشارات مبكرًا. فمع تصاعد الإنفاق السياحي وتنوُّع مصادره، تصبح العقارات السياحية - خاصة في مناطق الجذب الرئيسية - خيارًا مربحًا ومتينًا.
ويُتوقّع أن تؤثر السياحة على توجُّه الاستثمارات نحو تطوير الشقق الفندقية والوحدات المخدومة، وإنشاء مجمّعاتٍ سكنيةٍ سياحيةٍ بنظام الإيجار القصير إلى جانب تحسين مشاريع الإسكان في المدن غير التقليدية (مثل الجوف وتبوك والباحة) ذات العائد المرتفع لكل زائر.
بهذه المعطيات، يمكن القول إن السياحة ليست فقط قطاعًا واعدًا بحد ذاته، بل أصبحت محرّكًا حقيقيًّا للنمو العقاري في المملكة.