
شهد القطاع الاستثماري العقاري في المملكة العربية السعودية تحوّلًا نوعيًّا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا برؤية 2030 والتحولات الاقتصادية الكبرى. وكان من أبرز ملامح هذا التحوُّل النمو اللافت في الصناديق العقارية، سواء من حيث القيمة الإجمالية، أو عدد الصناديق، أو عدد المستثمرين الأفراد.
ووفق بيانات هيئة السوق المالية، وصلت قيمة الصناديق العقارية في 2024 إلى مستوى قياسي بلغ 233.24 مليار ريال، مما يشير إلى دخول مرحلة جديدة من النضج والاستقطاب في هذا القطاع الحيوي.
جدول حجم الصناديق العقارية في السعودية
أولًا: القيمة السوقية للصناديق العقارية – نمو قياسي ومستدام
صعود تدريجي حتى 2020 ثم انطلاقة قوية
منذ عام 2015، سجلت قيمة الصناديق العقارية نموًّا تدريجيًّا بدأ من 49.9 مليار ريال وصولًا إلى 90.7 مليار ريال في 2020، محققة قفزة بنسبة 36.58% في ذلك العام فقط. هذه الطفرة تعكس جاذبية الأصول العقارية كملاذ استثماري آمن، خاصة في ظل تقلبات الأسواق العالمية خلال أزمة الجائحة.
وتيرة تصاعدية متسارعة من 2021 إلى 2023
واصلت القيمة نموها لتصل إلى 123.66 مليار ريال في 2022، ثم إلى 164.53 مليار ريال في 2023، بنسبة نمو بلغت 33.05%. هذا التسارع يعود إلى زيادة الثقة في الصناديق العقارية كأداة استثمارية منظمة وشفافة، إلى جانب التوسع في إنشاء صناديق جديدة تستهدف قطاعات متنوعة مثل المكاتب التجارية، والسكن، والمستودعات.
ذروة النمو في 2024
في 2024، بلغ النمو ذروته بوصول القيمة إلى 233.24 مليار ريال، بزيادة قدرها 41.76% عن العام السابق، لتستحوذ الصناديق العقارية على أكثر من ثلث إجمالي أصول الصناديق الاستثمارية في السعودية. هذا الارتفاع الحاد يعكس دخول مستثمرين جدد، وارتفاع أسعار الأصول العقارية، فضلًا عن توسع بعض الصناديق في أصول دولية أو في مشاريع كبرى داخل المملكة، مثل مشاريع المدن الذكية والنيوم.
ثانيًا: عدد الصناديق العقارية – طفرة كمية تعكس تنوعًا واستجابة للطلب
تذبذب مبكر واستقرار نسبي حتى 2019
بين عامي 2015 و2019، كان عدد الصناديق يتراوح بين 118 و136 صندوقًا، مع بعض التراجع في بعض السنوات مثل 2018، التي شهدت انخفاضًا بنسبة 11.8%. يعود ذلك إلى محدودية الأنظمة حينها وصعوبة تطوير صناديق جديدة تتماشى مع تطلعات المستثمرين.
نمو استثنائي في 2022 و2023
شهد عام 2022 انفجارًا في عدد الصناديق العقارية، التي قفزت من 166 إلى 254 صندوقًا، بنسبة نمو ضخمة بلغت 53%. وارتفعت مجددًا إلى 408 صناديق في 2023 بنمو 60.6%. ويُعزى ذلك إلى تطوير الأنظمة من هيئة السوق المالية، وتسهيل إجراءات إطلاق الصناديق، وارتفاع إقبال المطورين العقاريين على استخدام هذه الأداة لتمويل مشاريعهم.
استمرار الزخم في 2024 بـ554 صندوقًا
في عام 2024، وصل عدد الصناديق إلى 554، بنسبة نمو 35.8%، وهي نسبة مرتفعة تدل على استمرار الزخم، مع توقعات بارتفاع العدد إلى ما يفوق 650 صندوقًا في 2025 مع دخول كيانات جديدة للسوق، وتوسع استثماري في القطاعات العقارية المتخصصة مثل الرعاية الصحية والتعليم والمستودعات الذكية.
ثالثًا: أعداد المشتركين – إقبال يكشف عن وعي استثماري جديد
مرحلة التأسيس وضعف الإقبال (2015–2019)
خلال الفترة من 2015 إلى 2019، لم يتجاوز عدد المشتركين في الصناديق العقارية 10,657 مشتركًا، مع تراجع في بعض السنوات مثل 2018 و2019. وهذا يشير إلى تحفظ الأفراد عن الدخول في أدوات استثمارية جديدة، ربما بسبب ضعف التوعية أو محدودية القنوات الرقمية حينها.
تضاعف كبير في الاهتمام من 2021 إلى 2023
مع تطور البنية الرقمية وتوسع التطبيقات الاستثمارية، بدأت أعداد المشتركين في النمو التدريجي، لتصل إلى أكثر من 20 ألفًا في 2022، ثم شهدت طفرة ضخمة في 2023 بوصولهم إلى أكثر من 63 ألف مشترك، بنمو مذهل قدره 212.88%. هذا التحول يدل على نضج ثقافة الاستثمار لدى الأفراد، خاصة الشباب.
توسع قاعدة المستثمرين في 2024
ارتفع عدد المشتركين في 2024 إلى 110,096 مشتركًا، بنسبة نمو 74.36%. هذا الرقم يعكس دخول شرائح جديدة من المستثمرين، خصوصًا بعد تعزيز الشفافية وتوسيع نطاق الإفصاح المالي عن أداء الصناديق. ومن المتوقع أن يواصل عدد المشتركين الارتفاع في 2025 مع ازدياد الوعي المالي وطرح المزيد من الصناديق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
مستقبل مشرق لقطاع الصناديق العقارية في المملكة
تُظهر البيانات بوضوح أن قطاع الصناديق العقارية في السعودية دخل مرحلة النضج والنمو المستدام. فمع وجود تشريعات حديثة، وتنامي شهية المستثمرين، وتنوع الأصول، بات هذا القطاع أحد أعمدة السوق المالية السعودية. ومن المتوقع أن يستمر النمو القوي مدعومًا ببرامج الإسكان، ومشاريع المدن الجديدة، وارتفاع الطلب على المساحات التجارية والسكنية. ويظل التحدي الأكبر هو الاستمرار في تحسين الأداء التشغيلي وزيادة الشفافية لضمان استمرارية جذب المستثمرين المحليين والدوليين.