بينما تمضي المملكة بخُطى ثابتةٍ نحو تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، يبرز القطاع الصناعي كأحد أبرز محرّكات التحوُّل الاقتصادي، ليس فقط بصفته مصدرًا جديدًا للدخل الوطني والتوظيف، بل أيضًا كمغذٍ مباشر لنمو قطاع العقارات، ورافعٍ إستراتيجي للطلب على الأراضي الصناعية، والمرافق التجارية، والمساكن.
قفزة في الطلب على الأراضي والعقارات
خلال العقود الماضية، كان القطاع العقاري في السعودية يتأثر تقليديًّا بالعوامل الديموغرافية والدخل النفطي. إلا أن المشهد العقاري اليوم بات أكثر ارتباطًا بنمو الأنشطة الإنتاجية. فمع وصول عدد المصانع في المملكة إلى 12 ألف مصنع بنهاية عام 2024، وتوجّه المملكة للوصول إلى 36 ألف مصنع بحلول 2035، فإن هذا التوسُّع يترجم فعليًّا إلى:
زيادة الطلب على الأراضي الصناعية داخل المدن الصناعية والمناطق الاقتصادية.
ارتفاع الحاجة إلى عقاراتٍ تجاريةٍ مثل المكاتب، المعارض، وسلاسل الإمداد اللوجستية.
تسارع التوسُّع العمراني لاستيعاب الموظفين الجُدد العاملين في هذه المنشآت.
ففي مدينة الجبيل الصناعية على سبيل المثال، أدى توسُّع مصانع البتروكيماويات إلى زيادة الطلب على الأراضي الصناعية وتوسعة نطاق الإسكان للموظفين.
خلق وظائف وتحسين دخول الأسر
كل مصنع جديد لا يمثل فقط وحدة إنتاج، بل مركزًا للتوظيف. فكلما زادت الاستثمارات الصناعية، ارتفع عدد الوظائف في قطاعات تتراوح من الإنتاج إلى الإدارة وسلاسل الإمداد، وهو ما يؤدي إلى:
تحسُّن الرواتب المتوسطة؛ لا سيما في المناطق الصناعية مثل سدير ورأس الخير وجازان.
انتقال عائلات الموظفين إلى المدن الصناعية أو المجاورة لها؛ مما يخلق طلبًا على المشاريع السكنية.
زيادة الاستثمارات في إسكان الموظفين من قِبَل الشركات الكبرى؛ ما يدفع المطوِّرين العقاريين لتوجيه مشاريعهم إلى تلك المواقع.
الطلب على السكن المتوسط في ضواحي الرياض والشرقية يشهد نموًّا ملحوظًا مع ازدياد التوظيف في التجمُّعات الصناعية القريبة.
مدن صناعية متكاملة تُعيد تشكيل خريطة العقارات
المدن الصناعية التي تقودها وزارة الصناعة والثروة المعدنية، مثل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ومدينة سدير للصناعة والأعمال، تمثل نموذجًا متكاملًا يجمع بين التصنيع، اللوجستيات، والسكن؛ مما يخلق أنماطًا جديدة في الطلب العقاري:
تزايد في المجمعات السكنية المغلقة الخاصة بالموظفين.
طلب على العقارات التجارية الداعمة مثل المطاعم والمحال والخدمات.
حِراك عمرانيّ خارج النطاق التقليدي للمدن الكبرى؛ ما يخفف الضغط عن العواصم ويخلق فرص تطوير جديدة.
تجربة الصين
كيف غيّر التصنيع مشهد العقارات؟
لتوضيح التأثير الأوسع، يمكن الاستشهاد بتجربة الصين؛ حيث أدى التحوُّل الصناعي منذ التسعينيات إلى خلق مدن صناعية جديدة بالكامل، مثل شنتشن، التي تحوَّلت من قرية صيد صغيرة إلى مدينة يزيد عدد سكانها على 13 مليون نسمة؛ نتيجة لازدهار التصنيع.
نمت أسعار العقارات في شنتشن بأكثر من 1000% بين عامي 2000 و2020.
توسَّعت الشركات العقارية استجابة للطلب الهائل على السكن والمكاتب.
أصبح التطوير العقاري أداةً مكمّلةً للاستثمار الصناعي، وليس نتيجة جانبية فقط.
باتت المدينة اليوم موطنًا لـ 11 شركة مُدرجة ضمن قائمة Fortune Global 500.
هذا النموذج يُشير إلى أن السعودية، في ظل التوسُّع الصناعي المخطط، مرشحة لأن تشهد تحوُّلًا مشابهًا في مناطق مثل الخرج، سدير، ورأس الخير.
الصناعة وقود حقيقي لنمو السوق العقارية
التحوُّل الصناعي الجاري في السعودية ليس مجرد توسّع في الإنتاج، بل هو سلسلة من التفاعلات الاقتصادية التي تشمل خلق وظائف، وتحسين الدخول، وتوليد طلبٍ جديدٍ على العقارات بأنواعها، خاصةً في المناطق خارج المدن الكبرى.
وبينما يتم العمل على تنفيذ مشاريع مثل الجسر البري وخطوط السكك الحديدية، ستتصل هذه المناطق الصناعية الجديدة بشكلٍ أفضل بالمراكز الاقتصادية؛ مما يجعلها أكثر جاذبية للمطورين العقاريين والمستثمرين.
