تبدو الآفاق رحبة أمام سوق العقارات التجارية في الإمارات خلال العام المقبل؛ خاصة مع توجُّه الاهتمام إلى المباني الخضراء الصديقة للبيئة والمكاتب الفاخرة، وسط تفوُّقٍ واضحٍ لدبي، رغم المخاطر الخارجية الناتجة عن أسعار الفائدة المرتفعة، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، بحسب "بلومبرغ إنتليجنس".
وتوضح التقديرات استمرار الطلب القوي على المساحات المكتبية في الإمارات، بدعمٍ من عوامل بينها جهود الدولة؛ لترسيخ وضعها كمركزٍ دوليٍّ لمجموعةٍ من القطاعات الاقتصادية.
كما تحوَّلت أبوظبي وجارتها دبي إلى نقطتَين مضيئَتين استثنائيتَين في عالم العقارات التجارية بفضل تدفّق كبرى الشركات المالية العالمية إليهما، وفقًا للتقرير، ولا تزال معدلات الإشغال مرتفعة في كلتا المدينتَين، بخلاف ما يحدث في مراكز الأعمال الأخرى حول العالم.
إلا أن السوق تتسم بمحدودية المعروض، خاصةً من المكاتب التجارية عالية الجودة والصديقة للبيئة، والتي ينمو عدد الراغبين فيها منذ الجائحة، ويبلغ صافي المعروض من المكاتب في دبي حاليًّا بوجهٍ عام مستوى متدنيًا عند 681 ألف متر مربع، مقابل 721 ألفًا في أبوظبي، وفقاً لـ"كوليرز إنترناشونال".
وتشير التوقعات إلى أن سوق العقارات المكتبية في دبي وأبوظبي تشهد نموًّا قويًّا بوجهٍ عام في العام المقبل، ويرجّح أن تجذب دبي الطلب الأكبر بفضل نطاق وتنوُّع البنية التحتية، ضمن عوامل أخرى.
وخُطط توسعة مساحة المراكز المالية تعزِّز ذلك؛ حيث يبني مركز دبي المالي العالمي 3 أبراج مكتبية جديدة، فيما تعمل أبوظبي على توسعة نطاق المنطقة المالية الحرة إلى جزيرة الريم المجاورة لمقرها الحالي بجزيرة المارية، في خطوةٍ من شأنها أن تزيد المساحة 10 أضعاف.
وتدافُع أصحاب الأعمال صوب المساحات الفاخرة، والمباني الحديثة يُسهم في دعم دبي، وهي نقطة قوة للإمارة التي تتمتع بمخزونٍ قدره 7.9 مليون متر مربع من المكاتب الحديثة مرتفعة الجودة، مقابل 3 ملايين متر مربع لأبوظبي.
أما في أبوظبي، فتركز "الدار العقارية"، أكبر مطوِّر في الإمارة، على المباني الفاخرة لتعويض تقادم المخزون الحالي من المكاتب في مناطق الأعمال المركزية التقليدية، وتسعى لتوفير مساحاتٍ تتسم بالجودة ومكاتب تتمتع بالمرونة من حيث الخدمات في كلٍّ من أبوظبي ودبي.
وحسب مسحٍ أجرته "بلومبرغ إنتليجنس"، فإن حوالي 39% من الموظفين في أبوظبي قالوا إن أرباب الأعمال يخططون لزيادة مساحة العمل، فيما تزيد هذه النسبة في دبي إلى 44%.
من جهةٍ أخرى، انخفضت المساحات الشاغرة في مكاتب دبي إلى 8% هذا العام من 10% في الربع الرابع من عام 2023، بينما سجلت 15% في أبوظبي من 25% في الربع الأخير في 2023؛ ما يؤكد أن السوق تشهد تقلصًا في المعروض.
ومن المتوقع أن يتفوَّق النمو بقطاع العقارات التجارية في الإمارات حتى على هونج كونج، السوق العقارية البارزة عالميًّا، ويُخطط 43% من أصحاب الأعمال في الإمارات، من إجمالي 600 شاركوا في المسح؛ لتعزيز المساحات المكتبية، وهي نسبة تفوق المتوقع في هونج كونج؛ حيث يرجّح أن يكافح أصحاب العقارات لملء المساحات الشاغرة في النصف الثاني من العام، مع تقليص المستأجرين التجاريين للطلب.
وتصف "بلومبرغ إنتليجنس" سوق المكاتب في الإمارات بالجذَّابة؛ إذ تُدِرُّ العقارات التجارية في دبي عوائد بنسبة 5% وفي أبوظبي تصل إلى 6%، بينما تقلَّصت علاوة المخاطر مقابل سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات منذ يونيو.
من جهةٍ أخرى ترى "بلومبرغ إنتليجنس" أن المخاطر تتمثل في استمرار أسعار الفائدة المرتفعة؛ مما يرفع بدوره تكلفة التمويل العقاري، وهو عامل سلبي للطلب، خاصةً للمشترين المعتمدين على الاقتراض فضلًا عن تأثيره العام على القدرة الشرائية؛ إذ عادةً تقلص الشركات إنفاقها واستثماراتها حين ترتفع الأسعار.
جديرٌ بالذكر أن صندوق النقد الدولي أفاد أن نمو الاقتصاد العالمي سيستقر للعامَين الجاري والمقبل عند 3.2، معتبرًا هذا المعدل مخيِّبًا للآمال، بناءً على تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.
كما يلعب توسُّع فرص العمل من المنزل، والتي زادت منذ الجائحة، دورًا أيضًا في تحديد وتيرة إشغال العقارات التجارية. وهنا يُشكّل ارتفاع مستوى الإلزام النسبي للعمل من المكاتب عامل دعمٍ في أبوظبي؛ إذ أفاد 27% من الموظفين في أبوظبي بأنه غير مسموح لهم بأيام عمل من خارج المكاتب مقابل 22% في دبي؛ مما يُعزّز الحاجة إلى توفير مساحاتٍ مكتبية إضافية للشركات في العاصمة.
