سجّلت سوق الأراضي في دبي أداءً استثنائيًّا، منذ مطلع عام 2025، مع بيع ما يقرب من 24,932 قطعة أرض، في مؤشرٍ واضحٍ على تسارع وتيرة مشاريع التطوير العقاري الجديدة، مدفوعةً بمزيج من الطلب القوي، ومحدودية المعروض، والنمو السكاني المتواصل، إلى جانب التدفقات الاستثمارية المتزايدة من أصحاب الثروات العالمية، والعوائد الإيجارية والاستثمارية المرتفعة التي تتمتع بها الإمارة.
ووفق بيانات "دائرة الأراضي والأملاك" في دبي، بلغ إجمالي تصرُّفات الأراضي خلال الفترة من يناير وحتى منتصف ديسمبر 2025 نحو 37,579 صفقة، توزعت بين 24,932 صفقة بيع، تُمثِّل 66.3% من الإجمالي، و10,852 صفقة رهن بنسبة 29%، إضافة إلى 1,795 صفقة هبة، شكَّلت نحو 4.7%.
وتصدَّرت منطقة "اليلايس 1" قائمة مناطق دبي، من حيث قيمة صفقات الأراضي، بإجمالي 19.6 مليار درهم، تلتها معيصم الثانية بقيمة 17.8 مليار درهم، ثم نخلة جبل علي بـ15.2 مليار درهم، ومجمع دبي للاستثمار الثاني بـ12.7 مليار درهم، وسجَّلت نخلة جميرا صفقات بقيمة 8 مليارات درهم، تلتها وادي الصفا 3 بنحو 5.5 مليار درهم، واليفرة 1 بـ5.4 مليار درهم، وتلال الإمارات بـ4.7 مليار درهم، وأم سقيم الأولى بـ4.5 مليار درهم، ثم الحبية الخامسة بقيمة 4.1 مليار درهم، وهذا التوزيع يعكس استمرار تدفق الطلب إلى مناطق التطوير الكبرى، خاصةً تلك المرتبطة بالمشاريع الفاخرة والمجتمعات المتكاملة.
كما يعكس النمو الكبير في عدد وقِيَم صفقات الأراضي وصول الطلب على بعض المناطق إلى مستوياتٍ بمليارات الدولارات، في ظل الذروة التي يشهدها الطلب على العقارات السكنية والاستثمارية في دبي، وانعكس هذا الزخم تدريجيًّا على كلفة المنتج العقاري النهائي، سواء في الشقق السكنية بنِسَبٍ محدودة، أو بشكلٍ أكثر وضوحًا في الفلل والتاون هاوس؛ نظرًا لاعتمادها الأكبر على المساحات الأرضية؛ ما يفرض تحدياتٍ متزايدةً أمام المطوِّرين والجهات التنظيمية؛ لضمان التوازن بين العرض والطلب.
من جهةٍ أخرى، أكد رؤساء تنفيذيون ومسؤولون في شركات تطوير عقاري عاملة في دبي، في تصريحاتٍ نقلتها "الخليج" الإماراتية، أن الطلب خلال 2025 بلغ مستوياتٍ غير مسبوقة؛ ما خلق حالةً من «التعطش» لتأمين المزيد من الأراضي؛ بهدف إطلاق مشاريع جديدة تحافظ على الجدوى الاقتصادية، وتدعم استدامة النمو.
وأوضحوا أن العائد الاستثماري المرتفع، والنمو السكاني المستمر، وتدفقات أصحاب الثروات العالمية إلى الإمارات ـ حيث يُقدَّر عدد الوافدين من فئة المليونيرات بنحو 9,800 شخص خلال العام ـ كلها عوامل عززت الطلب على الوحدات السكنية والفلل، وزادت الضغط على مخزون الأراضي.
وفي السياق نفسه، أفاد المهندس عامر خانصاحب، الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة «الاتحاد العقارية»، إن سوق دبي العقارية شهدت خلال 2025 طلبًا متناميًا على الأراضي؛ خاصةً في المواقع الحيوية والمراكز السكنية والتجارية الرئيسية؛ ما يعكس المكانة الراسخة لدبي كوجهةٍ استثماريةٍ عالميةٍ مدعومةٍ بأسسٍ اقتصاديةٍ وتنظيميةٍ قوية، مضيفًا إن المطورين باتوا مطالبين بتبنّي إستراتيجياتٍ أكثر مرونةً تشمل المشاريع متعددة الاستخدامات، وإعادة تطوير الأصول القائمة، والدخول في شراكاتٍ طويلة الأمد لإدارة التكاليف وتسريع التنفيذ.
كما أجمع مطوِّرون وخبراء على أن ندرة الأراضي دفعت الشركات العقارية إلى إعادة النظر في نماذج التطوير، عبر رفع كثافة البناء، والتوسُّع في المناطق الناشئة القريبة من مشاريع البنية التحتية، والاعتماد على إعادة التطوير ودمج الأراضي داخل المناطق القائمة، وأصبحت المشاريع متعددة الاستخدامات خيارًا رئيسيًّا لتعظيم الاستفادة من المساحات المحدودة وتنويع مصادر الدخل وتقليل المخاطر.
وأكد مسؤولون أن محدودية المعروض من الأراضي أصبحت أحد العوامل الهيكلية الداعمة لارتفاع أسعار العقارات في دبي خلال 2025، خاصةً في قطاع الفلل والمنازل المستقلة؛ حيث ارتفعت الأسعار بوتيرةٍ أسرع من السوق ككل، وأظهرت بيانات السوق ارتفاع أسعار الشقق والفلل بنِسَبٍ كبيرةٍ منذ 2019، مدفوعةً بارتفاع كلفة الأراضي واستمرار الطلب القوي، في حين شهد القطاع التجاري بدوره ارتفاعًا في الإيجارات وقِيَم الوحدات المكتبية؛ نتيجة شُحّ الأراضي في مناطق الأعمال الرئيسية.
يُذكر أنه مع استمرار المنافسة على المواقع المتميّزة، يُتوقَّع أن يظل الطلب على الأراضي في دبي مرتفعًا خلال الفترة المقبلة، مدعومًا بزخم المشاريع، والنمو السكاني، وثقة المستثمرين المحليين والدوليين في قدرة الإمارة على مواصلة النمو وتحقيق عوائد مستدامة.
