
في خطوةٍ وُصفت بأنها تمثل تحوُّلًا نوعيًّا في إدارة الثروة العقارية بمصر، أقر البرلمان المصري، قانون إنشاء قاعدة بيانات الرقم القومي الموحد للعقارات، والذي يمنح كل عقار في الدولة رقمًا قوميًّا فريدًا يحتوي على جميع تفاصيله الفنية والقانونية والإدارية.
ويهدف القانون إلى ضبط وفهرسة سوق العقارات، وإنهاء التعديات، وتضارب بيانات الملكية، وتحقيق حوكمة كاملة لملف الثروة العقارية في البلاد.
هوية رقمية لكل عقار
بموجب هذا التشريع، سيتم تخصيص رقم قومي موحَّد لكل عقار، غير قابل للتكرار، ويرتبط بجميع بيانات العقار مثل الموقع، نوع الاستخدام، الملكية، الترخيص، المخالفات، والتصرفات القانونية.
هذا الرقم سيكون مرتبطًا إلكترونيًّا بجميع الجهات الحكومية ذات الصلة، من خلال منصة معلوماتية تعمل داخل البيئة المؤمنة لمنظومة البنية المعلوماتية المكانية، والتي ترتكز على خريطة الأساس الموحدة لجمهورية مصر العربية.
وستتولى جهة يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء مسؤولية إتاحة البيانات المكانية والنصية، وإدارتها، بما يسمح بتوفير صورة تقنية غير تفاعلية لخريطة العقارات، وإدارة عملية الاستفادة من الرقم العقاري القومي، وضمان استدامة المنظومة.
القانون الجديد لا يسري على العقارات التي تتمتع بطبيعة إستراتيجية أو عسكرية، تتبع مؤسسات مثل رئاسة الجمهورية، ووزارتَي الدفاع والداخلية، وجهاز المخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، وغيرها من الجهات السيادية.
نهاية الفوضى العقارية.. وهوية لكل وحدة
أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن تطبيق الرقم القومي للعقارات هو بمثابة حل جذريّ لمشكلة غياب التسجيل الدقيق لبعض العقارات، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبات كبيرة في إثبات الملكية وظهور النزاعات.
وأضاف، خلال المؤتمر الصحفي للحكومة، على هامش اجتماعها الأسبوعي، أن كل شقة، مصنع، أو وحدة عقارية ستكون لها "شخصية قانونية" عبر رقم قومي موحّد، يُغني عن الذهاب إلى المحكمة لإثبات الملكية، ويمنع الاحتيال العقاري.
واعتبر مدبولي أن القانون يُمثل نقلة نوعية تُنهي الفوضى، وتُسهم في ضبط السوق، وتعزيز ثقة المستثمرين والمواطنين، بما ينسجم مع أهداف الدولة في التحوُّل الرقمي الشامل وتحقيق بيئة استثمارية آمنة.
قاعدة بيانات موحَّدة للعقارات
بدوره، أوضح وزير الإسكان شريف الشربيني في بيان رسمي، أن أولى ثمار هذا القانون تتمثل في إنشاء قاعدة بيانات مركزية وموحَّدة للعقارات في مصر، تتضمن موقف تسجيل العقار أو التصالح عليه، مما يسمح بإحكام التعاملات العقارية وحماية حقوق الدولة والمواطنين على حد سواء.
وأكد الشربيني أن هذا التطور التشريعي سيسهم في حماية المواطنين من عمليات الاحتيال، ويمنحهم شفافية مطلقة عند التعامل في سوق العقارات، إضافة إلى تمكين الدولة من حصر وتوثيق الأصول العقارية بشكل دقيق، وتحسين كفاءة تحصيل الضرائب.
لا رسوم إضافية ولا ارتباط بقانون التصالح
من جانبه، أكد المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، في تصريحات صحفية، أن تطبيق قانون الرقم القومي الموحد للعقارات لن يترتب عليه أية أعباء مالية على المواطنين، ولن يمس حقوق الملكية بأي شكل.
ونفى وجود أي علاقة بين القانون الجديد وملف التصالح في مخالفات البناء، مشددًا على أن الهدف الأساسي من القانون هو تطوير منظومة الميكنة العقارية وتحقيق التكامل الرقمي بين الجهات الحكومية.
وأضاف فوزي إن القانون صُمِّم ليخدم المواطنين، سواء كانوا مقيمين داخل البلاد أو في الخارج، وأنه سيمكِّن المصريين في الخارج من إتمام كافة الإجراءات إلكترونيًّا دون الحاجة إلى العودة لمصر، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام الاستثمار العقاري الآمن.
القانون يعزز الشفافية ويحمي المشترين
في السياق نفسه، أكد المهندس عمرو خطاب، المتحدث باسم وزارة الإسكان، في تصريحات إعلامية، أن القانون سيوفر نظامًا عقاريًّا أكثر شفافية وأمانًا، ويمنح لكل عقار رقمًا فريدًا يحتوي على جميع بياناته القانونية والفنية.
وبيّن أن النظام يشمل جميع أنواع العقارات دون استثناء، سواء كانت وحدات سكنية، إدارية، أو تجارية.
وأشار خطاب إلى أن تطبيق النظام سيقلل من حالات النصب العقاري، ويوفر معلومات دقيقة للمستثمرين والمشترين قبل اتخاذ قرارات الشراء، كما سيسهل كافة الإجراءات من خلال منصات إلكترونية متكاملة.
وأوضح أنه لا توجد رسوم مفروضة حاليًّا لاستخراج الرقم القومي للعقار، مما يُطمئن المواطنين والمستثمرين على حد سواء.
القانون ضرورة لمواجهة فوضى البيانات
وفي حديثه إلى "بروبرتي ميدل إيست"، قال الخبير العقاري عبد المجيد جادو إن قانون الرقم القومي الموحد للعقارات يُعد خطوة ضرورية للغاية لإعادة هيكلة السوق العقارية، التي تعاني من العشوائية، مشيرًا إلى أن نحو 85% من العقارات في مصر غير مسجلة رسميًّا.
وأكد أن القانون الجديد يساهم في وضع إطار قانوني واضح للعقار المصري يمنع عمليات النصب والاحتيال ويجعل كل وحدة قابلة للتداول القانوني.
ودعا جادو الحكومة إلى ضرورة تفعيل قوانين التصالح أولًا، وتوفير آليات قانونية واضحة لضمان قابلية العقار للتداول من حيث التخطيط والبناء، والحصول على الموافقات المطلوبة من جهات مثل الدفاع المدني وهيئة الآثار.
واعتبر أن نجاح تطبيق القانون يرتبط بمدى جاهزية العقارات من حيث استيفاء الشروط القانونية والفنية.
القانون يعيد الثقة للمستثمرين
من جهته، رأى بهاء كريم، المدير التنفيذي لشركة "عقار مصر" للتطوير العمراني، في تصريح لـ"بروبرتي ميدل إيست"، أن إصدار قانون الرقم القومي الموحد للعقارات تأخر كثيرًا، وكان يجب تنفيذه منذ سنوات.
وأشار إلى أن القانون سيساهم في تقديم بيانات دقيقة وموثوقة عن السوق، وهي نقطة كانت تفتقدها الكثير من الأحياء القديمة، مما تسبب في إحجام بعض المستثمرين عن دخول السوق.
وأضاف كريم إن النظام الجديد سيعزز قدرة الدولة على تحصيل الضرائب العقارية غير المُحصّلة، ما سيوفر للدولة موارد مالية يمكن توجيهها لتحسين الخدمات العامة.
كما لفت إلى أن القانون سيساعد في تقديم تشريعات جديدة مثل قانون الإيجارات القديمة، من خلال تقديم بيانات واضحة عن الوحدات المؤجرة وعدد المستأجرين.
وأوضح أن من أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ القانون صعوبة تتبع تسلسل الملكيات، خاصة في حالات الميراث والعقارات القديمة، حيث يتطلب ذلك جهدًا كبيرًا في التوثيق والتحقق من البيانات.
عقوبات للمخالفين
وبحسب ما ورد في نص القانون، يُعاقب كل من يتعمد إتلاف أو التلاعب في لوحات التعريف بالرقم القومي للعقار بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على 15 ألف جنيه.
وفي حال ثبوت التعمد، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر، وغرامة مالية تتراوح بين 5 آلاف و30 ألف جنيه.
بداية لعصر جديد في مصر العقارية
بهذا القانون، تبدأ مصر مرحلة جديدة من الحوكمة الذكية في إدارة ملف العقارات، بما يعزز استدامة الأصول العامة والخاصة، ويدعم التحول الرقمي ضمن رؤية مصر 2030.
ومع تفعيل هذا القانون، يتوقع أن تشهد السوق العقارية المصرية مزيدًا من الثقة والشفافية، وتصبح أكثر جذبًا للمستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء.