
تُعدُّ موافقة مجلس الوزراء السعودي، برئاسة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، على النظام المُحدث لتملك غير السعوديين للعقارات، خطوة إستراتيجية ضمن سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى تنظيم السوق العقارية.
وتأتي هذه الموافقة في إطار جهود المملكة لتحقيق أهداف رؤية 2030، من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتنمية القطاع العقاري، كما يهدف النظام الجديد إلى زيادة المعروض العقاري وتنشيط حركة السوق، مع مراعاة الحفاظ على مصالح المواطنين من خلال آليات تنظيمية محددة.
نظام جديد لتعزيز الاستثمارات العقارية
وكان وزير البلديات والإسكان السعودي، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار، ماجد بن عبدالله الحقيل، قد أشار في تصريحاتٍ صحفية إلى أن النظام المُحدث يعكس استمرارية التشريعات العقارية التي تهدف إلى تنمية القطاع العقاري وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر. وأوضح أن القرار سيُسهم في زيادة المعروض العقاري عن طريق جذب المستثمرين وشركات التطوير العقاري إلى السوق السعودية.
وأشار الحقيل إلى أن النظام يراعي مصالح المواطنين السعوديين من خلال وضع آليات تنظم السوق وتُحقق التوازن العقاري، علاوة على ذلك فإن هذا النظام يُنظم تملك غير السعوديين للعقارات في مناطق جغرافية محددة، لا سيما في مدينتي الرياض وجدة، مع شروط خاصة لتملك العقار في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم تحديد النطاق الجغرافي وفقاً لاقتراحات الهيئة العامة للعقار، التي ستعمل على طرح اللائحة التنفيذية للنظام عبر منصة "استطلاع" في غضون 180 يومًا من نشر النظام في الجريدة الرسمية.
في هذا السياق، استطلعت "بروبرتي ميدل إيست" آراء عدد من العقاريين حول تأثيرات وآفاق النظام الجديد لتملك الأجانب للعقارات في السعودية، حيث تناولوا الفرص التي يتيحها هذا القرار والتحديات المحتملة، بالإضافة إلى تأثيره المتوقع على حركة السوق العقارية في المملكة.
من جانبه، أكد عبد الله فهاد السبيعي، عضو اللجنة العقارية بغرفة الرياض، أن القرارات الإيجابية التي تشهدها المملكة في مجال التطوير العقاري تُعدُّ بمثابة محطات فارقة نحو تحقيق أهداف طموحة، مشيرًا إلى أن قرار السماح بتملك غير السعوديين للعقار ليس مجرد تنظيم عقاري، بل خطوة إستراتيجية لها تأثيرات واسعة تمتد إلى عدة قطاعات اقتصادية.
وأوضح السبيعي في تصريحات خاصة لـ"بروبرتي ميدل إيست"، أن النظام المحدث سيكون له تأثير ملحوظ في القطاع العقاري، حيث سيسهم في تحفيز الشركات العقارية على زيادة المعروض من الوحدات السكنية والتجارية، مما ينشط حركة البيع ويعزز جاذبية السوق السعودية للمستثمرين المحليين والدوليين.
وأضاف إن هذا القرار يتقاطع بشكل مباشر مع أهداف رؤية المملكة 2030، لا سيما في رفع كفاءة السوق العقارية، جذب الاستثمار النوعي، وتنويع مصادر الدخل الوطني.
وأشار عضو غرفة الرياض إلى أن الفوائد التي سيجلبها القرار لا تقتصر على القطاع العقاري فقط، بل تمتد لتشمل قطاعات أخرى حيوية، من بينها قطاع المقاولات الذي من المتوقع أن يشهد انتعاشًا ملحوظًا نتيجة الزيادة المتوقعة في وتيرة المشاريع، بينما سيفتح القطاع المصرفي والتمويلي فرصًا جديدة لتمويل الأجانب، بالإضافة إلى ابتكار منتجات مصرفية متخصصة في العقار الاستثماري، لافتًا إلى أن قطاع السياحة والفندقة سيستفيد من دخول رؤوس الأموال الأجنبية، مما يتيح الفرصة لتملك الوحدات السياحية والاستثمار فيها.
وبيّن السبيعي أن هذا القرار يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق مستهدف المملكة في رفع حجم الاستثمارات الأجنبية إلى 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030، مؤكدًا أن القرار ليس فقط إجراءً تنظيميًّا، بل هو إشارة اقتصادية هامة تعكس ثقة المستثمر الأجنبي وتبرهن أن المملكة تسير بثبات نحو مكانتها العالمية كدولة اقتصادية آمنة ومؤثرة على الصعيدَين الإقليمي والدولي.
في سياق متصل، أكد الدكتور خالد بن عبدالعزيز النفجان، رئيس مجلس إدارة شركة المشاريع الأولى القابضة، أن تحديث نظام تملك غير السعوديين للعقار يشكل خطوة إستراتيجية مهمة من شأنها إحداث تحول جوهري في سوق العقارات بالمملكة، مضيفًا إن النظام سيفتح المجال أمام شريحة جديدة من المستثمرين والمقيمين الأجانب للدخول بشكل منظم إلى القطاع العقاري، مما سيعزز جاذبية السوق السعودية.
وأوضح النفجان في تصريحات خاصة لـ"بروبرتي ميدل إيست"، أن هذا التحديث سيُسهم في تحفيز الطلب على العقارات ورفع معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة في المدن الكبرى والمشاريع النوعية، مما سينعكس بشكل إيجابي على تنشيط حركة البيع والشراء وزيادة حجم الصفقات العقارية، كما توقّع أن يسهم هذا القرار في تعزيز التنافسية بين المطورين وتحسين جودة المشاريع العقارية بما يتماشى مع تطلعات المستثمرين الدوليين، مشيرًا إلى أن أسعار العقارات قد تشهد ارتفاعًا تدريجيًّا في بعض المناطق نتيجة تزايد الطلب من قبل المستثمرين الأجانب.
وحول الفرص التي سيوفرها هذا القرار للقطاع العقاري، بيّن النفجان أن النظام سيفتح المجال لجذب رؤوس الأموال الأجنبية إلى مشاريع التطوير العقاري الكبرى مثل نيوم، البحر الأحمر، والقدية، بالإضافة إلى إنشاء فرص استثمارية في القطاعات السكنية، السياحية والفندقية، مضيفًا إن القرار سيعزز النمو في السوق الثانوية ويعطي دفعة قوية لخدمات التأجير، مع تعزيز تطور الخدمات المرتبطة مثل إدارة الأصول والصناديق العقارية.
وشدد النفجان على أن دخول مستثمرين أجانب إلى السوق السعودية سيحفز الابتكار في المنتجات التمويلية، فضلًا عن تبنِّي تقنيات البناء الذكية، مما سيرتقي بجودة المعروض العقاري ويرفع كفاءة القطاع، منوهًا إلى أن هذه التحولات ستعزز مكانة المملكة كمركز إقليمي واعد في الاستثمار العقاري، وتدعم رؤية 2030 في تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة.
من جهته، أكد الخبير العقاري سعد التويم أن قرار مجلس الوزراء الأخير بالموافقة على نظام تملك غير السعوديين للعقار في المملكة، يُعد خطوة إستراتيجية مدروسة تهدف إلى تنظيم السوق العقارية وتعزيز جاذبيتها للاستثمار.
وأوضح التويم في تصريحات خاصة لـ"بروبرتي ميدل إيست"، أن القرار لا يتضمن فتح باب شامل لتملك غير السعوديين فقط، بل يندرج ضمن خطة أكبر تهدف إلى تطوير السوق العقارية، مشيرًا إلى أن التأثير على الأسعار والطلب لن يكون فوريًا أو عشوائيًّا.
وأضاف إن النظام يتضمن شروطًا دقيقة وأسسًا تنظيمية من خلال لائحة تنفيذية ستحدد المناطق والنطاقات التي يسمح فيها بتملك العقار، مما يضمن عدم حدوث تضخم غير مبرر في الأسعار.
وعلى المدى المتوسط، توقع التويم أن تشهد السوق نشاطًا متزايدًا، خاصة في المشاريع عالية التنظيم والمناطق التي تستهدف الاستثمار النوعي.
أما عن أبرز المناطق التي قد تشهد إقبالًا من غير السعوديين، فقد أشار التويم إلى المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام، والتي تعد من أكثر المناطق جذبًا للاستثمار العقاري بفضل ما تتمتع به من مشاريع كبرى ذات طابع حضري حديث، لافتًا إلى أن المناطق المرتبطة بالعقارات التجارية أو السياحية الفاخرة مثل العلا والواجهة البحرية في جدة ستكون أيضًا محط اهتمام.
وعن الضوابط اللازمة لضمان استفادة السوق المحلية من هذا القرار دون التأثير على المواطنين، شدد التويم على أهمية الحفاظ على توازن دقيق في تطبيق القرار، من خلال تحديد مناطق محددة لتملك غير السعوديين وتجنب المساس بالطلب المحلي في الأحياء السكنية، مضيفًا إنه يجب ربط التملك بأهداف استثمارية أو سكنية فعلية، مع فرض رسوم عادلة لضمان عدم تشوُّه السوق.
وفيما يتعلق بالاستعدادات اللازمة لجذب الاستثمارات الأجنبية، أشار التويم إلى ضرورة رفع جودة العرض العقاري من حيث التصميم والبنية التحتية والخدمات لتكون المشاريع المحلية قادرة على منافسة المعايير العالمية.
وأكد أن الشراكات بين القطاع الخاص والمطورين الدوليين وتسهيل الوصول إلى البيانات العقارية الموثوقة ستكون من العوامل الأساسية لجذب الاستثمارات، إلى جانب تحديث أساليب التقييم وتبسيط الإجراءات، منوهًا إلى ضرورة أن يتبنى القطاع العقاري رؤية طويلة الأمد قائمة على التنافسية والاستدامة، وليس مجرد الاستجابة للتغيرات التشريعية اللحظية.
على صعيد متصل، أكد خالد شاكر المبيض، الرئيس التنفيذي لشركة منصات العقارية، أن إقرار نظام تملك الأجانب للعقار من قبل مجلس الوزراء يأتي في إطار تحقيق أهداف إستراتيجية هامة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وضمان استدامته، مبينًا أن القرار مبني على أسس واضحة تضمن حماية مصلحة المواطنين وتحقيق فوائد ملموسة للمجتمع السعودي.
وأشار المبيض في تصريحات خاصة لـ"بروبرتي ميدل إيست"، إلى أن أحد الأهداف الأساسية للنظام هو ضمان ألا يؤثر تملك الأجانب على حقوق المواطنين في الحصول على السكن، موضحًا أن النظام سيحافظ على حماية مصالح المواطنين من خلال ضمان أن التملك لا يؤدي إلى زيادة التنافس في شراء المساكن.
وأضاف إن القرار يهدف إلى تحقيق منفعة حقيقية للمواطنين من خلال تدفقات مالية تدعم الاقتصاد المحلي، بالإضافة إلى ذلك فإن النظام سيعزز دعم المشاريع العملاقة، حيث سيسمح ببيع العقارات للأجانب في هذه المشاريع من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية وتعظيم العوائد الاقتصادية.
من جهة أخرى، شدد المبيض على أن هذه الخطوة ستكون دافعًا قويًا لتحفيز الاستثمارات العقارية المتخصصة، خاصة في المشاريع الكبرى التي تتطلب شركات أجنبية رائدة في تطوير العقارات.
وفيما يتعلق بالمناطق التي سيستهدفها التملك الأجنبي، أشار المبيض إلى أن الأنظار ستتوجه بشكل رئيسي إلى المدن الكبرى والجديدة مثل نيوم والبحر الأحمر، بالإضافة إلى المدن الصغيرة التي ستسهم في تشجيع الاستثمارات.
وعن تفاصيل الاشتراطات الخاصة بالقرار، قال المبيض إنه من المبكر معرفة الشروط الدقيقة حتى يتم الإعلان عن اللوائح التنفيذية، لكنه توقع أن يتم وضع آليات للتأكد من عدم حدوث مضاربات في الأسعار، مع التأكيد على عدم تملك الأجانب في المناطق المخصصة للسكن المواطنين، مما يضمن استقرار السوق العقارية السعودية.
تطلعات المملكة نحو استقطاب الاستثمارات الأجنبية
يأتي هذا القرار ضمن إستراتيجية المملكة لزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تسعى السعودية إلى جذب استثمارات بقيمة 100 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2030.
وقد أظهرت الإحصاءات الأخيرة أن القطاع العقاري في المملكة شهد نموًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، مما ساهم في رفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 14% بنهاية 2024، كما شهدت المملكة خلال الربع الأول من العام الجاري زيادة في التدفقات الاستثمارية بنسبة 24% مقارنة بالعام الماضي.
قطاع العقارات السعودي يواصل النمو
تُشير تقارير صادرة عن شركة "نايت فرانك" إلى أن نحو ثلث السعوديين والمقيمين يتطلعون لشراء عقار في المملكة هذا العام.
وفي نفس السياق، سجلت الصفقات العقارية في الربع الأول من 2025 نحو 29 مليار دولار، مما يعكس الطلب القوي في السوق، خاصة في قطاعات السكن والمكاتب والضيافة.
النظام المُحدث يأتي متماشيًا مع أهداف "رؤية السعودية 2030"، ويُعتبر جزءًا من الإصلاحات الكبرى التي تهدف إلى تحرير المعروض السكني، بما في ذلك فرض رسوم مرنة على الأراضي البيضاء وإدخال العقارات الشاغرة لأول مرة ضمن منظومة الرسوم العقارية.
تحسين بيئة الاستثمار العقاري
من المتوقع أن تساهم هذه التعديلات في توفير بيئة استثمارية أكثر جذبًا للمطورين الأجانب، وستُسهم في تسريع حركة الاستثمار العقاري في المملكة، لا سيما مع التوجه نحو مشاريع التطوير العمراني الكبرى.
كما يُتوقع أن تستمر المملكة في تطبيق الإصلاحات العقارية والمالية لضمان جذب استثمارات جديدة وتعزيز مكانتها كمركز رائد للاستثمار العقاري في المنطقة.