
في خطوةٍ تنظيميةٍ نوعيةٍ تهدف إلى تحقيق التوزان في السوق العقارية، أقرت الحكومة السعودية فرض رسوم سنوية على العقارات الشاغرة، تبدأ من 5% وتصل إلى 10% من القيمة السوقية، وذلك بناءً على توصية اللجنة الوزارية المختصة.
القرار يأتي ضمن تعديلاتٍ جديدةٍ على نظام "رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة"، والتي نُشرت رسميًّا في الجريدة الرسمية "أم القرى" بتاريخ 12 مايو 2025.
ويُعد هذا التحرك استجابةً مباشرةً لتوجيهات ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، الذي وجّه في مارس الماضي بإطلاق خمس مبادرات كبرى لمعالجة اختلالات سوق الأراضي والإيجارات، خاصة في العاصمة الرياض التي شهدت ارتفاعات قياسية في الأسعار خلال السنوات الأخيرة.
شمول المباني الشاغرة داخل النطاق العمراني
التعديل الأبرز في النظام يتمثل في شمول المباني الشاغرة داخل النطاق العمراني لأول مرة، إلى جانب الأراضي البيضاء؛ حيث يهدف هذا التوجه إلى الحد من ظاهرة الاكتناز العقاري، وتشجيع المُلاك على استغلال ممتلكاتهم بصورة فعَّالة.
ما هي العقارات الشاغرة؟
هي المباني الواقعة داخل النطاق العمراني غير المستغلة لفترة طويلة دون مسوِّغ مقبول، والتي يؤثر عدم استخدامها او عدم استغلالها في توفير معروض كافٍ في السوق العقارية، وذلك وفقًا لأحكام هذا النظام وما تحدده اللوائح.
وينص النظام على أن الرسوم تطبق على العقارات التي لا تقل مساحتها عن 5,000 متر مربع، سواء كانت قطعة واحدة أو مجموعة متجاورة، ويتم احتسابها بناءً على القيمة السوقية للعقار، وفق تقدير لجنة مختصة.
كما ينص النظام على فرض غرامات لا تتجاوز قيمة الرسم المستحق في حال المخالفة، مع منح المالك أو مَن في حكمه حق الاعتراض على قرارات الإخضاع أو التقدير خلال 60 يومًا من تاريخ التبليغ، على أن تبت اللجنة المختصة في الاعتراض خلال المهلة نفسها، وإلا يُعدُّ مرفوضًا.
صلاحيات موسّعة ولوائح تنفيذية مرتقبة
منحت التعديلات وزارة البلديات والإسكان صلاحيات تحديد نطاق التطبيق، وإصدار لوائح تنظيمية تفصيلية تشمل معايير التقدير والإعفاء، وآليات التبليغ، وضوابط منع التهرب.
وأوضحت الوزارة أن لائحة رسوم الأراضي البيضاء ستصدر خلال 90 يومًا من تاريخ نشر النظام، في حين سيتم إصدار لائحة رسوم العقارات الشاغرة خلال عام.
وأكدت أن إيرادات الرسوم والغرامات ستُخصص بالكامل لدعم مشاريع الإسكان، تحقيقًا لأهداف رؤية السعودية 2030 في تعزيز نسبة تملُّك المواطنين وتنمية المدن بشكلٍ متوازن.
رفع كفاءة القطاع العقاري
من جانبه، أكد وزير البلديات والإسكان، ماجد الحقيل أن التعديلات تهدف إلى تحقيق التوازن في السوق العقارية، وتحفيز استخدام الأراضي والمباني غير المستغلة، وزيادة المعروض العقاري، خاصة السكني.
وأوضح أنها ستسهم كذلك في رفع كفاءة القطاع العقاري، وتعزيز جاذبيته الاستثمارية، ودعم مستهدفات برنامج الإسكان ضمن رؤية السعودية 2030.
السوق تبدأ بالتفاعل.. والأسعار تسجل تراجعًا
أشارت بيانات عقارية رسمية إلى تراجع متوسط أسعار الأراضي في 23 حيًّا بالعاصمة الرياض خلال شهر أبريل الماضي، في مؤشر على بداية تفاعل السوق مع السياسات الحكومية الجديدة.
ويُتوقع أن تساهم الرسوم الجديدة في كبح المضاربة غير المنتجة، وتعزيز المعروض العقاري المتاح للسكن أو الاستثمار.
التويم: الرسوم ستحرك السوق العقارية
وفي السياق نفسه، أكد الخبير العقاري سعد التويم في تصريحاتٍ خاصة لـ"بروبرتي ميدل إيست"، أن فرض رسوم على العقارات الشاغرة سيُحدث تحوّلًا ملموسًا في سلوك الملاك، مشيرًا إلى أن تكاليف الاحتفاظ بالأصول غير المستغلة سترتفع؛ مما سيجعل خيار التجميد غير مجدٍ على المدى المتوسط.
وأوضح التويم أن شمول المباني الشاغرة ضمن النظام، يُمثل خطوةً بالغة الأهمية، من شأنها تحفيز حركة التطوير داخل المدن، ودفع المستثمرين وأصحاب الأملاك إلى تسريع قراراتهم المتعلقة بالتأجير أو البيع أو إعادة التطوير.
وبيّن أن هذه الرسوم ستؤدي إلى تحريك السوق العقارية، وتشجيع الاستغلال الفعلي للعقارات غير النشطة، لا سيما في المناطق الحضرية التي تعاني نقصًا في المعروض السكني، مؤكدًا أن النظام الجديد سيسهم في تسريع دورة رأس المال العقاري، وتحفيز النشاط العمراني.
أهمية السياسات المكمّلة
وشدد التويم على أن نجاح هذه الرسوم في تحقيق أهدافها يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على السياسات المكملة، موضحًا أن الرسوم وحدها قد لا تكون كافية إذا لم تُرافقها أدوات داعمة.
ودعا إلى تفعيل حزمة من الإجراءات مثل تسهيل إجراءات التطوير العقاري، وتوفير بيانات سوقية دقيقة، وتحسين بيئة الاستثمار، بما يضمن تعزيز المعروض الحقيقي والحد من دافع الاكتناز.
تحديات التنفيذ: التقييم والاعتراض
وحذر التويم من أن تطبيق النظام قد يواجه تحديات إجرائية وقانونية، أبرزها تحديد القيمة السوقية للعقارات بشكل عادل ودقيق.
وأكد على أهمية وجود آليات موضوعية وشفافة في التقييم، تأخذ بعين الاعتبار اختلاف المواقع والمواصفات، فضلًا عن ضرورة تمكين الملاك من تقديم اعتراضاتهم بطريقة فعَّالة ومنصفة.
أثر متوقع على الإيجارات وسوق الإسكان
وتطرَّق التويم إلى التأثير المحتمل للنظام على سوق الإيجارات، مشيرًا إلى أنه في حال نجح في رفع حجم المعروض، فمن المتوقع أن تشهد السوق تراجعًا نسبيًّا في الأسعار، أو على الأقل استقرارها، خاصة في المدن الكبرى التي تعاني فجوة بين العرض والطلب.
لكنه نبّه إلى أن أسعار الإيجارات لا ترتبط فقط بالمعروض، بل تتأثر بمجموعةٍ من العوامل الأخرى مثل النمو السكاني، ومستويات الدخل، وتكلفة البناء، والسياسات الاقتصادية، مؤكدًا أن تقييم الأثر الكامل يتطلب مراقبة دقيقة لتفاعلات السوق خلال الفترة المقبلة.
ضبط السوق العقارية
يُمثل نظام رسوم العقارات الشاغرة خطوةً إستراتيجيةً تسعى من خلالها الدولة إلى ضبط السوق العقارية، وتحقيق العدالة في التوزيع، وتقليل تكاليف السكن، مع ضمان استغلال الأصول العقارية المهملة.
وتبقى فاعلية النظام مرهونة بآليات التطبيق، وجودة اللوائح المنتظرة، ومدى تكاملها مع السياسات العمرانية والاقتصادية الأخرى، لتحقيق الأثر المستدام المنشود.